مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي
لقد فرض الأسلوب العلمي وجوده على الفكر والواقع الإنساني وازدادت الحاجة إلى الأسلوب العلمي الدقيق وأصبح هو الطريق الوحيد للوصول إلى الأهداف. ولقد عكف المشتغلون بعلم النفس الاجتماعي منذ وقت طويل على دراسة العوامل التي تؤدي إلى تماسك الجماعة وتحسين التفاؤل الاجتماعي بين أفرادها إلى أن يصبح من الممكن تطبيق اختبارات وأدوات تتنبأ بمستوى التفاؤل والسلوك الاجتماعي.
المنهج التجريبي: يعتبر المنهج التجريبي أدق مناهج ابحث في علم النفس بصفة عامة، يقوم مورفي أن أهم حدث في علم النفس الاجتماعي هو إدخال المنهج التجريبي والاعتماد عليه بشكل واضح.
وتهدف مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي إلى اكتشاف العوالم والأسباب التي ينجم عنها السلوك الاجتماعي مما يؤدي إلى اكتشاف القوانين العلمية التي تنشر النواحي المختلفة للاستجابات الاجتماعي مما يساعد في فهم السلوك الاجتماعي للفرد والجماعة والتنبؤ به وضبطه إلى أقصى درجة ممكنه.
لذلك فمن الضروري الإحاطة بأهم مناهج ابحث في علم النفس الاجتماعي حتى يحيط الباحث بالإمكانيات التي تتيحها له كل هذه المناهج.
وتسير الدراسة حسب هذا المنهج في التسلسل الآتي: (ظاهرة، مشكلة، هدف، فروض، تجربة، حقائق).
وتدور الدراسة حول ظاهرة نفسية اجتماعية وعلى الباحث أن يحدد الظاهرة وأن يفصلها عن الظاهرات المختلفة ومن أمثلة الظاهرات التي دار حولها الكثير من البحث القيادة وجناح الأحداث.
يلي ذلك تحديد المشكلة التي تحدد على أساس تعريف وبلورة الظاهرة بوضوح على أساس التعرف العلمي الدقيق على المشكلة ومكوناتها وعزل العوامل التي أدت إلى المشكلة.
ويجب تقييم المشكلة فيما يتعلق بالاعتبارات الشخصية من حيث اهتمام الباحث بها واستعداده لحلها وقدراته، وكذلك بالاعتبارات الاجتماعية من حيث إسهامها في تقدم المعرفة، ثم تبيان الهدف من البحث، ومن أهم أهداف البحث العلمي ما يلي:
التفسير: يصوغ الباحث تعميمها قابلاً للتحقيق يفسر كيف تعمل المتغيرات المتضمنة في هذه الظاهرة، وهكذا يكون نتيجة عمله التفسير وليس مجرد الوصف.
التنبؤ: لا يقنع الباحث بمجرد صياغة تعميمات تفسير الظاهرة، بل يزيد أيضاً أن يتنبأ بالطريقة التي سوف يعمل بها التعميم في المستقبل.
الضبط: ومن الحاجات الماسة أن يكتشف وسائل ضبط الظاهرة الاجتماعية مثل الحروب وجناح الأحداث، والتوترات التي تضعف البناء الاجتماعي.
يلي ذلك الفروض التي تهدي الباحث إلى اكتشاف الحقائق العلمية التي تحقق الفروض التي يفترضها، والفرض عبارة عن تفسير محتمل للظاهرة، وباختصار فإن الفروض هي حلول مبدئية مقترحة للمشكلة.
ويجب على الباحث أن يتبع الدقة في اختيار إجراءات التحقق من صحة الفروض والطرق العلمية الإحصائية الدقيقة في إثبات صحتها، وعلى أن يصوغ فروضه في ضوء معقولية التفسير الذي يصل إليه.وبعد ذلك تأتي التجربة لتي يقوم بها هادفاً إلى تحقيق فروضه كلها أو بعضها، أو رفضها.
ويجب على الباحث عند إجراء التجربة الاهتمام باختيار الاختبارات والمقاييس المقننة الصادقة الثابتة الموضوعية وهذه متوافرة في معامل علم النفس وفي العيادات النفسية وعيادات توجيه الأطفال، وتستخدم في دراسة مظاهر النمو وقياسها قياساً دقيقاً. ففي قياس النواحي الجسيمة والفسيولوجية توجد مقاييس الطول والوزن. وفي قياس النواحي العقلية المعرفية توجد اختبارات الذكاء اللفظية وغير اللفظية. ومن أمثلة اختبار الذكاء اختبار سانغورد بينية واختبار وكسلر لقياس ذكاء الأطفال وآخر لقياس ذكاء المراهقين والراشدين. وفي قياس النواحي الاجتماعية توجد اختبارات قياس العلاقات الاجتماعية واختبارات القيم.
ومن الاختبارات الشائع استخدامها أيضاً الاختبارات الاسقاطية ومن أمثلتها اختبار تفهم الموضوع للأطفال واختبار تفهم الموضوع للكبار وهو يتكون من وصر يطلب من الفرد أن يكون عن كل منها قصة لها بداية ونهاية. اختبار بقع الحبر يطلب من الفرد وصفها وتحليل الاستجابات لتعطي صورة شاملة للشخصية، وطريقة تداعي الكلمات والمعاني حيث يستجيب الفرد بسرعة لأول كلمة ترد إلى ذهنه، وطريقة تكملة الجمل حيث يعرض على الفرد بعض الجمل الناقصة لتكملتها من واقع خبراته معبراً عن اتجاهاته وآرائه.
وهذه الطرق مفيدة حيث تعجز الملاحظة أو المقابلة الشخصية عن أن تكشف جوانب شخصية الفرد واتجاهاته وبالتالي جمع البيانات والمعلومات التي يريدها الباحث لويس كامل مليكة 1965.
ويلاحظ أيضاً كثر استخدام الاستبيانات والاستخبار كما نعرف مجموعة من الأسئلة توجه إلى الفرد سواء كان طفلاً أو مراهقاً أو راشداً أو شيخاً.
ويجب على الباحث الاهتمام باختيار العينة وتختار العينة بأساليب منها: الاختيار العشوائي الصدفي (لأي مجموعة يتيسر الحصول عليها من الجماعة الأصلية. وفي املنهج التجريبي عادة ما يستخدم الباحث جماعتين في تجاربه إحداهما تسمى الجماعة الضابطة والأخرى تسمى الجماعة التجريبية.
ويهتم الباحث بضبط المتغيرات والأخرى تثبيتها عندما يدرس كل متغير على حده مقارناً دائماً العينة الضابطة بالعينة التجريبية.
وقد رأينا أن الباحث التجريبي لا يقف عند مجرد وصف الظاهرة السلوكية ولكنه يغير عامداً العوامل المحددة لها ويعالج المتغيرات ذات الأهمية فيها متوخياً الضبط العلمي الدقيق.
ويقوم الباحث بعملية مسح المتغيرات والعوامل التي يفترض أن لها صلة بالظاهرة موضوع البحث، ويقسم هذه المتغيرات إلى ثلاثة أنواع:
1. المتغير المستقل: وهو المتغير الذي نقيس أو ندرس آثاره على متغير آخر.
2. المتغير التابع: وهو المتغير الذي يتغير بتغير المتغير المستقل، أي أنه ينعكس عليه آثار ما يحدث من تغير في المتغير المستقل إذا كانت ثمة علاقة بين المتغيرين.
3. لمتغير الغريب أو الدخيل أو غير التجريبي: وهو المتغير الذي قد يؤثر في المتغير التابع والذي يحاول الباحث أن يتخلص من أثره بتثبيته أو عزله (مثل الدوافع والاتجاهات ... الخ).
ونتائج التجربة: عادة ما ثبت الفروض أو تنفيها.
وعلى الباحث أن يتوخى الدقة في تحليل البيانات التي يحصل عليها إحصائياً حتى يصل إلى نتائج يطمئن إليها.
وهذه الطرق الإحصائية تتيح للباحث تحديد وبلورة الحقائق الخاصة بالجماعة التي يدرسها، إن أي بحاث في علم النفس لابد أن يحيط بالطرق الإحصائية، لأنه يحتاج إليها في كل خطوة من خطوات البحث العلمي التجريبي، كما في اختيار العينة وإنشاء وتقنين الاختيار وتحليل نتائج التجربة، ويجب الحرص التام في تفسير النتائج الاي يصل عليها الباحث.
وإذا وصلنا إلى الحقائق سهلت صياغة القوانين العلمية التي هي عبارة عن علاقة أو صلة أساسية مطردة بين عوامل او متغيرات أو خواص.
وعلى أساس هذه القوانين العلمية يستطيع الباحث أن يضع نظرية علمية تحاول تفسيرها ومن أهم الشروط الواجب توافرها في النظرية العلمية:
الإيجاز والشمول والانفراد والتفسير والتنبؤ.
المنهج الوصفي:
من اهم طرق المنهج الوصفي الملاحظة العلمية
وتعتبر الملاحظة العلمية المنظمة مورداً مهماً للحصول على معلومات وبيانات تتصل بالسلوك الاجتماعي.
وفي الملاحظة العلمية يهدف الباحث إلى تحديد طبيعة الظروف والممارسات والاتجاهات السائدة، من حيث أنه يحاول وضع تنبؤات عن الأحداث المقبلة.
ويتضمن هذا المنهج الملاحظة المباشرة للأفراد والجماعات في المواقف الاجتماعية وتدوينها.
والملاحظة العلمية مفيدة في دراسة النواحي والسلوك الذي يتطلب وسائل خاصة في دراسته ولابد له من وسائل دقيقة لتسجيل وتحديد الملاحظات.
ويحسن أن يقوم بالملاحظة أكثر من باحث حتى إذا أغفل أحدهما أمراً لم يغفله الآخر.
وأما الملاحظة العرضية أو العقوبة، التي تأتي بالصدفة فإنها تكون سطحية وليست دقيقة وغير علمية، وليست لها قيمة علمية. ومن الأفضل، ولاشك، ضبط عملية الملاحظة وتقنينها بطريقة أو بأخرى، ومن الضروري تقرير نتائج الملاحظة بأسلوب معياري مقنن بقدر الإمكان مستعينين بالطرق الإحصائية بحيث تصبح هذه النتائج ذات معنى ومفيدة.
ومن أبرز الأمثلة بيلز في التفاعل الاجتماعي والتي توصل إليها عن طريق الملاحظة العلمية.
ويشتمل المنهج الوصفي على:
1. الدراسات المسحية.
2. دراسات العلاقات المتبادلة.
3. الدراسات التطورية.
1. الدراسات المسحية فهي محاولات لجمع أوصاف مفصلة عن الظاهرة بقصد استخدام البيانات لتأييد الظروف، فقد تقتصر على دراسة جماعة صغيرة أو قد تمتد لتشمل طبقة اجتماعية أو المجتمع كله.
ويجب أن يختار الباحث عينة البحث بعناية بحيث يمثلون بدقة وجهات نظر كل قطاعات المجتمع.
ويستخدم القائمون بالدراسة المسحية الاستخبارات أو الاستفتاءات بهدف معرفة آراء الناس في شيء ما ويتكون الاستخبار من أسئلة وآراء تدور حول موضوع معين أو موقف معين وعلى الفرد أن يجيب عليها ويبدي رأيه فيها قولاً أو كتابة.
وطرقة الاستخبار ومقاييس التقدير من أكثر الطرق شيوعاً في علم النفس الاجتماعي.
وفي الدراسات المسحية أيضاً تستخدم طريقة تقدير الذات التصنيفي التي اقترحها ستيفنسون والتي طور على أساسها طريقته الإحصائية المعروفة باسم طريقة (ق) كتب ستفينسون يقول والآن يمكن أن ندرس بطريقة علمية اتجاهات الإنسان، وتفكيره، وشخصيته، وتفاعله الاجتماعي، وتتضمن الطريقة الاهتمام بدلالة الفروق والتشابهات الداخلية في الفرد. أما في طريقة التحليل العاملي العادي فإن الاختبارات تطبق على عينة من الأفراد وتحسب معاملات الارتباط بين الاختبارات وتحلل معاملات الارتباط.
وفي التطبيق التقليدي لطريقة تقدير الذات التصنيفي بجمع عدد من العبارات التي تصف الشخصية من جماعات مماثلة من الأفراد وتكتبه كل على بطاقة منفصلة ثم يصنفها المختبر إلى تسعة أو ثلاث (1 أو 7 أو 11) كوماً ترتب تبعاً للدرجة التي يشير إليها وضع العبارات مثلاً إذا كانت الصفة تنطبق على الفرد جداً أو إذا كانت لا تنطبق عيه، وبين هذين الطرفين تقع باقي الدرجات، ثم يصنف المختبر نفس الفقرات مرة أخرى وبنفس الأسلوب تبعاً للدرجة التي تكون هذه الفقرات عندها صحيحة أو غير صحيحة بالنسبة لمفهوم جديد أو لموقف جديد.
وفي التصحيح، نجد أن الطريقة التقليدية هي أن تعطي قيمة من 1 إلى 3 أو من 1 إلى 9 مثلاً لكل عبارة حسب الكوم الذي وضعها المختبر فيه في التصنيف الأول وكذلك في التصنيف الثاني ثم تجرى عملية إحصائية فيما يختص بدرجات كل فرد وهي أن نحسب معامل ارتباط بين درجاته في التصنيف الثاني".
وقد استخدم كاتالدو وىخرون طرية تقدير الذات التصنيفي لجمع املعلومات المسحية بطريقة المقابلة حيث استخدموا عينات كبرة من الأفراد.
هذه الطريقة سريعة وتعطي معلومات صادقة وثابتة.
2. أما عن دراسات العلاقة المتبادلة فيوجد منها ثلاث أنماط هي:
أ. دراسة الحالة.
ب. الدراسات المقارنة.
ت. الدراسات الارتباطية.
أ) وتمثل دراسة الحالة نوعاً من البحث المتعمق عن العوامل المعقدة، فمن خلال استخدام عدد من أدوات البحث، وتجمع بيانات دالة عن الوضع القائم للوحدة، ويدرس الاخصائيون الاجتماعيون والموجهون النفسيون عادة شخصية الفرد بقصد تشخيص وعلاج حالة معينة وأحياناً يهتمون بالفرد من حيث أنه شخصية فريدة على أنه نم ممثل للجماعة التي ينتمي إليها.
ب) أما الدراسات المقارنة وهي تركز على كيفو لماذا تحدث الظاهرة الاجتماعية مثلاً فإنها تقارن جوانب التشابه والاختلاف بين الظاهرات لكي يكتشف أي العوامل تلعب دوراً فيها، والباحث هنا يبحث دائماً عن العلاقات وأوجه التشابه والاختلاف.
ج) أما الدراسات الارتباطية فتركز على استخدام الطرق الارتباطين إلى أي حد يرتبط متغيران وقد ترتبط المتغيرات مع بعضها البعض ارتباطاً تاماً أو ارتباطاً جزئياً موجباً أو سالباً ذا دالة إحصائية أو يرجع إلى الصدفة....
3. أما الدراسات التطورية فهي تتناول الوضع القائم للظاهرات والعلاقات المتداخلة بين بعضها البعض، ومن أوضح الدراسات التطورية دراسات النمو الاجتماعي مثلاً من الميلاد حتى الشيخوخة. ويتبع ذلك إحدى طريقتين:
أ. الطريقة الطولية.
ب. الطريقة المستعرضة.
أ. أما الطريقة الطولية وهي من أقدم طرق البحث فيتتبع فيها الباحث عن طريق الدراسة والملاحظة والوصف ويحدد أنماط النمو الاجتماعي وتقوم هذه الطريقة أكثر على الملاحظة وتستغرق أعواماً طويلة.
ب. أما الطريقة المستعرضة فيلاحظ الباحث ويقيس متغيرات أقل على أفراد أو عينات ممثلة وجماعات في سن معين وتعتمد هذه الطريقة اكثر على الاختبارات والمقاييس والطرق الحديثة للقياس النفسي.
منهج البحث التاريخي:
هو المنهج الذي يستخدمه الباحثون الذين يشوقهم وتستهويهم معرفة الأحوال والأحداث التي جرت في الماضي فيجمعون الحقائق ويطبقون الطريقة العلمية في بحث التطور الاجتماعي لمجتمع من المجتمعات.
فإن الباحث يلجأ إلى المصادر الأولية مثل أقوال وتقارير شهود العيان الموثوق بهم ويلجأ الباحث أيضاً إلى السجلات الرسمية والشخصية.
ويمثل نقد المادة العلمية خطوة هامة من خطوات منهج ابحث التاريخي ففي النقد الخارجي يجب التأكد من صدق المادة العلمية وفي النقد الداخلي يجب التأكد من معنى وصدق المادة العلمية وقراءة الوثائق بعين مؤلفها.
0 comments:
إرسال تعليق