الرئيسية » » النظريات الكلاسيكية لعلم النفس الاجتماعي

النظريات الكلاسيكية لعلم النفس الاجتماعي

النظريات الكلاسيكية

كان العلماء في علم النفس الاجتماعي في القرن التاسع عشر يركزون على دافع أو ميكانزم واحد في تفسير السلوك الاجتماعي، ومن أمثلة الحلول أو التفسيرات الوحدية المشكلات الاجتماعية في ذلك القرن هي الموضوعات النفسية الشائعة التالية: اللذة والألم، الأنانية التعاطف، التقليد والايحاء حتى كتاب (روس) في علم النفس الاجتماعي (1908) فقد بنى تفسيراته على مبدأ واحد يسمى "التقليد" ... إلا أن عام 1908 يعتبر نقطة تحول من التفسيرات الاحدية إلى التفسيرات التعددية، فظهر في نفس العام كتاب آخر وضعه مكدوجل، ونادى بتشكيله متعددة من الغرائز كمحركات لسلوك الجنس البشري، فإن مكدوجل "يعتبر  الغريزة مختلفة في النوع وذات أشكال متعددة في السلوك الاجتماعي الذي تثيره. (علم النفس الاجتماعي. حلمي المليجي 1969 محاضرات).
وحتى في هذه الأيام نجد كتاباً يفضلون وجود عام متسلط واحد مع الاهمال النسبي للعوامل الأخرى، ومن بين تلك العوامل: الاشتراط، التدعيم أو التعزيز، القلق، الجنسية، الذنب، الإحباط، التنظيم المعرفي، الدور، والطبقة الاجتماعية.
1. مبدأ الللذة:
لنأخذ أولاً نظرية بسيطة سائدة منذ عصر الفلسفة الاغريقية مذهب اللذة السيكولوجي الذي يرى أن الألم واللذة هما أسيادنا المتسلطة، أطلق جيرمي بنثام على هذا المبدأ اسم مبدأ المنفعة، بنى بنثام مذهبه على مذاهب اللذة لدى غيره من الكتاب السابقين، ابيكيورس، ارستيبوس، هوبز، آدم سميث، إلا أنه صاحب الفضل في إعداد الصياغة الشاملة الأولى للهيدونزم في علم النفس الاجتماعي، فالحقيقة الأساسية في نظره هي أن الناس يفعلون ما يجلب لهم اللذة ويجتنبهم الألم.
ويرى بثنام أن كل أنواع اللذة قابلة للقياس، ويمكن حساب قوتها الدافعة، ومقدار نفعها تتفاوت من حيث:
1. المدة (فترة استمرارها).
2. الشدة (شدة تأثيرها).
3. اليقين (الثبات).
4. التقارب (أو التباعد أو الانقطاع).
5. الانسال أو التخصب (هل ستتبع اللذة أو الألم؟).
6. النقاء (هل سيمتزج الألم باللذة؟).
7. المدى (هل ستنعكس اللذة على الناس الآخرين، لذة أو ألم؟).
هذه الطريقة التحليلية تذكرنا بمحاولات (فونت وتنشنر) الأخير لدراسة الوجدان (المشاعر).
إن بثنام لم ينكر أن اللذة ذات صفات متباينة، فهناك ملذات الحس والثروة، والمهارة، والألفة، والاسم الحسن، والقوة، أو الجاه، والورع (الزهد)، الاحسان، الحقد، والذاكرة، والتخيل، والتوقع، والارتباط، والتخلص من التوتر.
إن كل ما يهم بثنام هو الاستفاضة (أي الزيادة القصوى) في اللذة الكلية. فلكي نقرر حكماً نظرياً معقولاً عن السلوك فإننا ببساطة نقوم بحساب النتائج من حيث الفترة الزمنية، الشدة، اليقين (التوكيد، الثبات)...
إلى هذا الحد، ينغمر مبدأ اللذة النفسية في الهيدونزم الاهلاقي، فالناس لا تميل فقط لأن تسلك الاتجاه الذي يردي إلى اللذة القصوى، بل يجب عليهم فعل ذلك. ولزيادة التأكيد، فإن لذة الناس الىخرين قد تدخل أيضاً في حساب الشخص – أي "مدى اللذة"، فسياسة الحكومة وكل املنظمات الاجتماعية يجب أن تهيء "السعادة العظمى للسواد الأعظم منا لناس".
وهكذا فإن الاخلاقيات النفعية هي بباطة امتداد لنظرية سيكولوجية في ميدان الأخلاق، ولتطبيق هذه الأخلاقيات يجب أن نتبع بوجه عام، سياس إطلاق الحريات أو عدم التقيد.
فالثورة الصناعية، أي عمليات الانتاج بالجملة التي تؤدي إلى رخص السعار، تخدم "السعادة العظمى" لأنها تخدم السواد الأعظم من الناس وبذلك قد تظغى اللذة – في مجموعة – على الألم الذي قد يصيب القلة النسبية.
مبدأ "الإنسان الاقتصادي"
إن هذا المبدأ هو تطور مباشر لنفس الفرض الهيدوني، يعمل أساساً للكسب النقدي (لكسب العملة) لأن المال في حد ذاته لذة يشتري الفرد لوازمه المقيدة التي تعود لعيه بالسعادة القصوى.
نعطي مثال واحد من القوانين الاقتصادية الكلاسيكية المؤسسة على هذا الفرض:
"الإنسان يشتري في أكثر الأسواق انخفاضاً، ويبيع في أكثرها ارتفاعاً"، ظل قانون السلوك هذا يدعم النظرية الاقتصادية سنوات طويلة، ففي أوقات الاضطراب المالي مثلاً، تسري العلاقة العكسية، فالرجل الذي تلغب عليه نزعة الكرم أو يتسلط لعيه التشاؤم قد يفعل عكس القانون.
وهكذا توجد مجموعة من الدوافع غير الاقتصادية تدخل في السولك الاقتصادي، "فالإنسان الاقتصادي" في طريقة إلى الانقراض، وهناك مفهوم تعددي أكثر حداثة آخذ في الظهور، حيث يأخذ في حسبانه عوامل عديدة أكثر مما يتضمنه فرض مبدأ اللذة.
هربرت سبنسر والهيدونزم
يساند هربرت سبتنسر نظرية الهيدونزم وسياسة عدم التقيدو ذلك بان ربط كليهما بمبدأ النشوء والارتقاء، ويشير إلى أن أنواع النشاط السار غالباً ما يؤدي إلى الحياة البقاء بينما الألم يشير إلى الخطر والفناء، فمن الطبيعي إذن أن نبحث عن اللذة ونتجنب الألم إلا أن هناك اعتراض واضح على هذا الرأي حيث أن بعض أنواع النشاط الهدامة قد تكون سارة أيضاً، مثل إدمان الخمر وغيرها من الرذائل، ويجيب سبنسر على هذا الاعتراض بقوله: إن الخروج عن هذه القاعدة هو مجرد انعكاس لسوء حالة المجتمع. وبالنسبة لعلاقة الدولة بالفرد، إنجاز هربرت لخصوم التشريع الاجتماعي فعلى أسس سيكولوجية يرى ضرورة احترام الدولة لفردية الإنسان والسماح لكل باحث عن اللذة بالحصول على سعادته بطريقته الخاصة كلما أمكن ذلك أي ينبغي الاهتمام بالدوافع الطبيعية للفرد.
وقد أدرك هربرت أيضاً أهمية دافع التعاطف في الإنسان، ولكنه يرى أن هذا يجب التعبير عنه في إطار الأسرة فحسب وليس في نواحي نشاط الدولة، وميز تمييزاً حاداً بين أخلاقيات الأسرة "وأخلاقيات الدولة". وبناء على ذلك، يعترض على تنفيذ التعليم المجاني لعامة الشعب في بريطانيا (1873)، فيقول: دع الأسرة تخطط وتنفق من أجل تعليم أطفالها، وينبغي ألا تدفع الدولة تعويضاً.
السياسة الاجتماعية والهيدونزم
لقد تحدثنا فيما سبق عن العلاقة بين السياسة الاجتماعية ومبدأ اللذة السيكولوجي في القرن التاسع عشر لسببين:
السبب الأول: حتى نوضح كيف أن الفرض السيكولوجي وضع، بطريقة ما تحت الاختبار وفشل.
فإن الدولة، بمرور الوقت لا تستطيع ترك الناس وحدها تبحث عن سعادتها الخاصة معتمدين في ذلك على غريزة اللذة لديهم وعلى منطقهم، وظهرت صرخة الاحتجاج من ديكنز، راسكين، كنجزلي.
الأخلاقيات النفعية: الاسم الذي أطلقه جارمي بنثام، 1748 – 1832، على مذهب اللذة السيكولوجي أي الهيدونزم، تنصف جانباً واحداً فقط من طبيعة الإنسان وجزءاً واحداً من مجموع الناس.
"دولة الإصلاح العام" ثبت فشل إدعاء الهيدونزم البحث بعد اختباره ضمن بوتقة السياسة الاجتماعية واتضح أنه مبدأ غير مناسب.
السبب الثاني: لكي نقدم تفسيراً لحقيقة هامة، أن نظريات الانتاج العلمي في علم النفس الاجتماعي يندر أن تكون محصنة، فهي عادة تأخذ اتجاه الجو السياسي والاجتماعي.
وقد أوضح جون ديوي أن هذا صحيح مثال ذلك أن الارستقراطية لا تنتج علم نفس للفروق الفردية، لأن الفرد لا أهمية له، ما لم يكن منتمياص للطبقات العليا.
أي أن مبدأ الهيدزم (إطلاق الحريات) أيديولوجية تنشأ جزئياً من المزاج الاجتماعي السائد الذي بدأ أثره في تشكيل تفكير بنثام، و"مل"، وسبنسر؟
الهيدوزم المعاصر
أن الهيدونزم اليوم أكثر من أن يكون أيديولوجية مرتبطة بالثقافة والزمن، أنه نظرية أساسية عن دوافع السلوك الأولى للإنسان، وخاصة فرويد في كتاباته الأولى، أصر على أن جميع الغرائز "تبحث عن اللذة"، إلا أنها لا تبدو صريحة بل مقنعة، فبالرغم من أن هناك قوة كابتة تتحكم في ضبطها فإنها سوف تناضل لا شعورياً بأساليب تنكرية من أجل الحصول على اللذة.
وفي صرنا الحالي، على أية حال لفظ "اللذة" غر محبب لدى السيكولوجيين، ومن ثم فإن أسماء أخرى قد أطلقت على الهيدونزم المعاصر:
استبدل مبدأ اللذة لفرويد بمبدأ "العزيز" وقد ثبت أن مفهوم "اللذة" فكرة صعبة "مانعة" أي غير ثابتة ف تاريخ علم النفس.
وسوف نر أن التعزيز يشير إلى لذة سابقة أو إشباع أكثر من لذة مستقبلية التي يرتكز عليها أصحاب الهيدونزم الكلاسيكي، إلا أن الذوق الهيدوني ما زال باقياص.وصورة مقنعة أخرى من الهيدونزم هي التعبير السائد الذي نجده في معظم كتب علم النفس هذه الأيام: "إن جميع الدوافع تعلم على خفض التوتر". وهكذا كتب كلوكخون، وموراي:
"أقرب الأشياء إل مبدأ يحتضن الجميع هو مفهوم الحاجة، الحافز أو القوة المجهة. مثل هذه القوى تقود الفرد إلى إعادة إتزانه، خفض توتراته، وإرضاء حاجاته".
وجهة النظر هذه، على الأقل، صورة متغيرة من الهيدونزم، لأن فعل التخلص من التوتر هو أيضاً تخلص من القلق، ومن الإحباط.
إن مبدأ الهيدونزم، هكذا، كمفهوم شامل الدوافع السلوك الإنساني ليس فانياً ولا مفقود الثقة في صدق جوهره.
نقد الهيدونزم
وجه كثيرة من النقد إلى الهيدونزم، فقد نصح ترولاند 1928 بالتمييز بين الهيدونزم في الحاضر والمستقبل، والماضي.
أولاً: هيدونزم الحاضر: يحاول الفرد الآن، أن يحصل بطريقة ما على أقصى لذة حالية، ونحن ندخر مالاً ونستمتع بملذات الحاضر وهكذا لم يدع أي كاتب هيدوني عكس ذلك.
ثانياً: هيدونزم المستقبل: هو مذهب بنثام ومل في بعض النواحي، في مدرسة خفض التوتر. الفرد يفعل الآن ما سوف يؤدي غي المستقبل – حسب خطته – إلى الحصول على السعادة أو التخلص من الألم. وهنا توجد اعتراضات كثيرة:
1. حينما نرجع إلى عرضنا عن السياسة الاجتماعية (إطلاق الحريات) نجد أن فروض الهيدونزم الكلاسيكي قد فشلت في تدعيمها.
ولكن، لما كانت حياة المجتمع مستحيلة دون كبح جماح ذهه الرغبة الملحة في القوة، فالإنسان يسلم لقوة عامة هي الدولة والتي يسميها هوبز العملاق أ, التنيمن، فإنه بواسطة صورة من العقد الاجتماعي يحصل كل فرد على حماية من أشخاص آخرين باحثين عن القوة بينما يحصل هو على فرصة الاستفادة من وقت فراغه في فنون السلام واكتساب المعرفة.
وقد قدم هوبز تحليلا لدافع القوة من نواحي عديدة فقد أشار إلى مدى الفساد الذي قد يسببه أصحاب القوة والسطوة على الاتصال، وخلق أيديولوجية تنصف ذواتهم. وعادة ليس هناك دليل على المساواة في توزيع أي شيء أفضل من رضاء كل شخص عن نصيبه.
كما أشار هوبز، من جوانب عديدة، إلى المبادئ الحديثة عن تدير الذات والسعي إلى المكانة الاجتماعية واعتبار الذات وفي نفس الوقت أدرك العملية المسماة حالياً الحيل الدفاعية للأنا.
نيتشه والبحث عن القوة:
ظهرت صور متغيرة عديدة من مذهب القوة  في القرنين 19و20 في ألمانيا وقد وضخ نيتشه رأيه في ككتابة الإرادة والقوة.
إن ما يريده الإنسان، وما يريده كل جزء صغير فيه هو لمزيد نم القوة، وما السرور أو الضيق إلا نتائج لكفاح الإنسان من أجل ذلك.
ويرى نيتشه مثل مكدوجل إن حالات الهيدونزم عرضية ثانوية فكل السلوك الاجتماعي حسب نيتشه هو انعكاس مباشر مقنع للبحث عن القوة، حتى انفعال العرفان بالجميل ما هو إلا انتقام طيب مهذب يقوم به الشخص حتى يستعيد قوته الخاصة في العلاقات الاجتماعية.
آدلر ومشاعر النقص:
تناول الطبيب العقلي النمساوي ألفريد آدلر 1917 هذا المذهب بأيدي تجريبية إكلينيكية، وكان قد شعر أن معلمه ورفيقه فرويد قد أهمل الدور الذي غالباً ما تلعبه "مشاعر النقص" الناشئة عن البنية الضعيفة أ, النقص العضوي، والرغبة في تأكيد الذات كل هذا بدا ضخماً في تفكير آدلر.
هورني والمنافسة:
هورني إنشق على فرويد معلناً أن التنافس أكثر أهمية حتى من دور الدوافع الجنسية في نشأة اضطرابات الشخصية.
وقد أكد أيضاً الفيلسوف برتراند راسل 1938 نفس الدافع.
الاتجاهات الحديث:
كثيراً من الأعمال المعاصرة تبرز دافع المكانة ومستوى الأنا ترقي الأنا وصورة الذات.
هذه الأعمال وغيرها كثيراً ما تضع وزنا ثقيلاً لمفهوم تقييم الذات لدانتك ودافع الأنا الأنانية.
عرض لدانتك في كتابة النانية: الأساس الوحيد لكل المجتمعات.
واتجاه لدانتك تطوري: الذرات والجزئيات، والخلايا، والكائنات الحية وكل من هذه المستويات تسعى بتثبيت للإبقاء على ذاتها.
فالبلغم التلقاء في مجرى الدم لا يبيد جرثومة المرض من أجل خدمة الكائن الحي ككل، ولكن ببساطة من اجل أن يبقي على نفسه وبالمثل يسعى كل كائن حي فرد لمصلحته الخاصة دون اعتبار للمجتمع.
ولكن ماذا يقال في المجتمع برمته، وخاصة في المؤسسات الاجتماعية التي تبدو أنها تعمل على تنمية التعاون والمساعدة المتبادلة.
يجيب لدانتك: يحدث هذا من أجل وجود أعداء مشتركة أن أساس كل المجتمعات هو "العدو المشترك" حتى الأسرة، تقوم في أساسها على مجرد وحدة فائدتها الحماية المشتركة. وأساس الصداقات والعلاقات الاجتماعية، ليس هو الحب بقدر ما هو الخوف أو الكراهية المشتركة. أسهل الطرق لتسلك بنجاح في كراهيته. في الحرب يوقفون اهتماماتهم الأنانية معلقة حتى ينهزم العدو المشترك.
إلا أن لدانتك يعود فيصرخ: أننا لا نستطيع أن نسلم بأن دوافعنا إنانية خالصة وأن الأساس الوحيد للتماسك الاجتماعي هو الكراهية أو فقدان الثقة العامة.
نقد مذهب الانانية:
1. تشترك جميع نظريات الأنانية في فرض واحد غير ثابت أن عمية التمثيل الاجتماعي لا يمكن أن تكون فعالة حقيقية، فيرى لدانتك أن التمثيل الاجتماعي هو مسألة تشويهات للإنسان ناتجة عن الحياة بوجه عام "ألا يمكن أن ينتج عن التعلم الاجتماعي بناء أو تكوين، أو مواءمة، أو حتى إعادة تهذيب؟".
2. نجد في نظرة "لدانتك" للدوافع الإنسانية والقيم الاجتماعية استخفافاً كيبراً.
"ألا يمكن أن تكون صورة الإنسانية مناسبة للكائن غير الاجتماعي – بما في ذلك الطفل؟".
أما كونت فكان متفائلاً في نظرته للتمثيل الاجتماعي حين عبر عنها في "قانون التطور ذو الأثر" قائلاً: بمرور الوقت ومن ثم يحدد نمو حقيقي وامتداد للعواطف الإيثارية".
إن تأكيد الذات المطلق العنان قد يكون طبيعياً في مرحلة مبكرة من مراحل نمو الشخصية، ولكنه شاذاً في مرحلة متأخرة.
3. لقد انقسمت نظريات التمثيل الاجتماعي حول هذا الموضوع:
أ‌. بعض هذه النظريات يرى ان الدوافع الأنانية الأولي لا يمكن تعديلها، ولكنها فقط تغطي وتموه أو تشحن انفعالياً.
ب‌. والبعض الآخر يرى أن بناء الانا قابل للتغير، وذلك حينما نجد اهتمامات جديدة وتصبح مستقلة ذاتياً عن أصولها.
ولواقع أنه من الصعب إيجاد توازن صحيح في هذا الشأن.
أ‌. فمن جهة ما، نحن لا نستطيع إنكار شيوع أنواع النفاق وتبريرات الناس فيما يختص بدوافعهم الخاصة.
ب‌. ومن جهة أخرى، من يستطيع الجزم بأن طبيعة الإنسان الأصلي لا نتضمن بعض الميول الانتمائية القوية؟ أو أن اتجاه التعلم الاجتماعي لا يترتب عليه تحولات أكيدة في بناء الخلق؟ وإذا ظل "حب لذات" موجباً ونشطاً في كل إنسان فهل من المحتم أن يكون مسيطراً عليه؟.
نظريات الغرائز
ليست نظريات الغرائز سوى فروض علمية حاول بها العلماء تفسير سلوك الفرد والجماعة، وتعددت وجهات النظر حول مفهوم الغريزة، وفي المناقشة التالية سوف يتضح مدى الصعوبات التي واجهت علماء النفس في تعريف اللفظ حتى يصير مقبولاً لمن يرون لهذا المفهوم قيمة.
وعندما نتحدث عن الغريزة نعني أنماط سلوك فطرية،و قد اختلفت النظريات في حصر عدد الغرائز، فيرى وليم جيمس (1842 – 1910 أن الانسان لديه ما يقرب من 32 غريزة مثل: التقليد والخوف، والغيرة، والتنافس، واللعب، بينما حصر ثورنديك (من أتباع المدرسة السلوكية) 42 غريزة متضمنة الأفعال المنعكسة مثل: العطس، والسعال، والتثاؤب، وكان هذا موضوع نقد شديد من لعملاء النفس الآخرين الذين استبعدوا من مفهوم الغريزة الأفعال اللاإرادية ومنها الأفعال المنعكسة مثل: العطس، والسعال والتثاؤب،و كان هذا موضوع نقد شديد من علماء النفس الآخرين الذين استبعدوا من مفهوم الغريزة الأفعال اللاإرادية ومنها الأفعال المنعكسة التي مركزها النخاع الشوكي.
نظرية مكدوجل
يرى مكدوجل صاحب النظرية الغرضية أن الغرائز ما هي إلا دوافع طبيعية أساسية لسلوك الفرد ونشاطه تزوده بالقوة الحيوية الدافعة وتحدد غاياته، وأن الإنسان يولد مزوداً بعدد من هذه القوى الموجهة أو الاستعدادات الغائية التي تعينه على مواجهة الحياة، ويطلق مكدوجل على هذه الاستعدادات الفطرية اسم غرائز، ويرى أنه لا يمكن تحليلها إلى ما هو أبسط منها وأنها مشتركة بين الناس جميعاً.
والغريزة تجعل الفرد ينتبه إلى شيء معين، وحينما يدرجه ينتابه شعور خاص، وبذلك يسلك نحوه سلوكاً خاصاً. ومعنى ذلك أن للغريزة غرض ترمي إليه.
وتشرع الغريزة في القيام بدورها في موقف معين، وينشا الموقف حينما يواجه الفرد شيئاً أو شخصاً لا يمكن تجاهله بحيث يضطر إلى الاستجابة له ويقوم بفعل ما، وقد ينشأ الموقف حينما نرى "حريقاً يشب في منزل قريب منا"، أو حينما نقابل طفلاً مفقوداً أو في ضيق، أو حينما نصادف ما يعوقنا عن مواصلة عملنا أو ما يهدد سلامتنا، وهكذا يولد الطفل مهيأ علمياً لمعالجة مواقف بسيطة معينة، فإذا خاف من شيء فإنه يهرب بعيداً عنه، ويطلق مكدوجل على هذا الدافع الذي حفز الطفل وتجنب الأذى غريزة الهروب.
وهكذا تتميز الغريزة بما يلي:
1. الغريزة نمط سلوكي فطري.
2. ولكن الغريزة، كقاعدة أكثر تعقيداً من الفعل المنعكس.
3. الغريزة يبدو عملها في أحد مواقف الحياة، ل موقف يستدعي غريزة معينة فموقف الخطر يستدعي غريزة ما، وموقف الإحباط يستعدي غريزة أخرى.
4. ينشأ الموقف حينما يجد الفرد نفسه في علاقة ما مع شيء لا يمكن تجاهله.
5. لكل غريزة شعور خاص بها إنفعال خاص، ولا ينتمي لغيرها.
6. للغريزة غرض تسعى للحصول إليه، فالغريزة الجنسية تهدف إلى الحفاظ على النوع، وغريزة الهرب تهدف إلى نجاة الفرد وتجنب الخطر، وغريزة السيطرة تهدف إلى تأكيد الذات وغريزة المقابلة تهدف إلى إزالة العوائق في سبيل تحقيق الرغبات.
"الغريزة هي ميل موروث للانتباه إلى أشياء معينة وأدركها والسلوك نحوها بأساليب معينة، يصاحبها الشعور بمشاريع خاصة. وبعبارة أخرى الغريزة نمط سلوكي فطري، أو اسعداد نفسي جسمي موروث مستقل عن الخبرة أو التعلم وتبدو حينما تنشأ مواقف معين.
إلا أن الغريزة تتشكل وتتعدل نتيجة للخبرة والتعلم،و السلوك الغريزي يستبدل بسلوك ناتج عن خبرة الممارسة لدى الفرد، ولكن الشعور المميز للغريزة يستمر جزءاً من السلوك المتطور للغريزة.
غالباً ما يحيط الشخص الراشد السوي في عمله أو التعبير عن اهتماماته، ولكنه – كقاعدة – لا يتورط في عراك بدني مع الناس الذين يتدخلون في شؤونه محاولين إفساد مسعاه. إن سلوكه في مثل هذا الموقف لا يشبه سلوكه وهو طفل في الخامسة أو السادسة من العمر.
ومثال آخر بالنسبة لغريزة تأكيد الذات فمن النادر أن يبدي أحد الراشدين الأسوياء ما كان يفعله وهو طفل صغير من تفاخر، "ولكن الرجل الذي يلبس طقم جديد، والمرأة التي تلبس فستان أنيق ما زلنا نشعر بنفس الاحساس بالخيبة أو الفشل حينما لا ينتبه الينا الناس".
وباختصار إن الغرائز هي المحركات الأساسية لنشاط الإنسان – سواء كان بأسلوب مباشر أو غير مباشر – فهي التي تمنح الطاقة المحركة للسلوك، وأن الغريزة لها جانب إدراكي تثيره المنبهات الخارجية، كما أن لها جانب سلوكي ناجم عن الاستعداد أو الميل الفطري لدى الفرد، وهذان الجانبان قابلان للتعديل نتيجة الاكتساب والخبرة في الحياة، فيتوقف مدى التعديل على ذكاء الفرد، وحينما يتطور السلوك الغريزي إلى سلوك مكتسب، قد يتحول الانتباه إلى أشياء جديدة، وقد يصبح السولك أكثر تعقيداً، ولكن الشعور الخاص بالغريزة أي الانفعال المصاحب لها يظل أساساص كما هو دون تغير، فالإنسان يتميز بالمرونة في التعديل والترقي من الحيوان، والإشباع السافر للغريزة الجنسية وبلا تحفظ لدى الحيوان يختلف عن أسلوب الإشباع لدى الإنسان.
وهكذا بناء على هذه النظرية يمكن تحليل السلوك الإنساني إلى مجوعة من الغرائز، مثال ذلك، عادة التدخين تنشأة نتيجة تجمع غرائز السيطرة والاستطلاع والاجتماع.
وكذلك تتكون العاطفة نتيجة اتحاد عدد من الغرائز تستثار في موقف معين حول موضوع ما مع تكرار هذا الموقف عدة مرات وبها الأسلوب استطاع مكدوجل أن يفسر تكامل الشخصية على أنه تجمع العواطف حول عاطفة اعتبار الذات.
والعاطفة، إذن عبارة عن نظام من الميول الانفعالية يتمركز حول شيء ما قد يكون شخصاً، مكاناً، أو فكرة مجردة.
كل غريزة لها انفعالية الخاص (شعور خاص)، ولما كانت العاطفة تعتمد على أكثر من غريزة، فإن الانفعال (أو المشاعر) الخاصة بالعاطفة مركب من نافعالات (أو مشاعر) متعددة.
والعواطف نظيم اليحاة الوجدانية للانسان، ونموها يعمل على بناء مرحلة جديدة في التنظيم العقلي، فإنه كثيراً ما يعبر عنها في الشعور والأغاني وحينما يتعلم الأطفال الشعر والأغاني بالمدرسة والغزل فإنهم يمرون بخبرات انفعالية مشتقة من خبرات الناس الآخرين. إن الأغاني والشعر توصل الانفعالات إلى الأطفال وتساهم في بناء عواطفهم، وهكذا أن نمو العواطف (الاتجاهات) يعمل على بناء السلوك الاجتماعي للفرد.
نقد نظرية الغرائز:
1. اختلف علماء النفس في تحديد معنى الغريزة اختلافاً كبيراً، مما أثار مشكلات كثيرة في تعريفها، عدل علماء النفس عن استخدام لفظ الغريزة، حتى أن مكدوجل استبدل به لفظ "المل الفطري" في أخريات حياته 1933.
2. رغم أن مكدوجل بدأ دراساته بالعلوم الطبيعية والبيولوجية (ثم اتجه إلى الانثروبولوجية حتى تخصص في لم النفس) لم يستطع رغم اتجاهه العلمي أن يتخلص من التفكير الغيبي الذي كان يشكل جزءاً هاماً من التراث الثقافي السائد في عصره، فيرى علماء النفس أن نظرية الغرائز تفسر السلوك كما يفسر الرجل العادي الظواهر الطبيعية لعى أنها رضا أو سخط من الله، فإن نظرية الغرائز توصد أبواب البحث وتعوق التقدمم العلمي.
3. تتسم نظرية الغرائز بالآلية في تفسير سلوك الانسان وفي تحديدها المسبق لغاياته، فتصف لسلوك الغريزي بأنه عرض بشكل نهائي.
4. تأثر مكدوجل بنظرة داارون في النشوء والارتقاء، فيرى أن الأساس الفطري للعقل البشري يتكون من مجموع النزعات الفطرية ذات الخصائص الثابتة التي توجد بدرجات متفاوته من حيث الشدة، وهكذا يرى أن الغرائز عامة مشتركة بين الناس جميعاً من كل سلالة وفي أي عصر.
ويعتبر الانفعال وهو جوهر الغريزة ثابت لا يتغير، وبالتالي فإن كل ما ذكره عن امكانيات التعديل والتغيير في السلوك يصبح تعديلاً ثانوياً أو سطحياً، فضلاً عن أن هذا يتنافى مع منطق العلم الحديث الذي يؤمن بالتغيير المستمر في جميع مظاهر الكون.
5. إن تفسير السلوك الإنساني بناء على عدد محدود من الغرائز، فيه قصور لفهم طبيعة التكوين النفسي، كما يقول ألبورت إن 18 غريزة أو أكثر لا تكفي لتفسير التشكيلة اللانهائية من الأهداف المختلفة التي يسعى إليها عدد لا نهائي من الأحياء".
6. يوجد خلط بين مفهوم الغريزة كاستعداد أو ميل فطري وبين الفعل الغريزي كسلوك معين ناتج عن هذا الميل وهكذا خلط البعض بين الدوافع الفطرية كالهرب والمقاتلة بنماذج السلوك الفطرية التي تحقق أهداف هذه الدوافع كالمشي والركض.
بينما يعرف الفعل الغريزي بأنه سلوك معين نتيجة هذا الميل وحيث أن هذا السلوك عادة غير مكتسب.
7. تعترض مدرسة الجشطلت على وجود الغرائز، حيث ترى أن الغايات التي تفترضها نظرية الغرائز ليست قوى ثابتة مستقرة في الإنسان،و إنما تنشأ نتيجة تفاعل الفرد مع بيته.
8. أما المدرسة السلوكية فلا يهتم بالغرائز، ولا تعترف بوجود استعدادت فطرية دافعة يرثها النوع، أو أن الإنسان تحركه دواقع داخلية موجهة نحو غاية، بل تفسر السلوك على أساس الفعل المنعكس، إن هذه المدرسة تؤكد أهمية الدراسة الموضوعية للاستجابات الفعلية،أي أنها تهتم فقط بدراسة السلوك الحركي عبارة عن أفعال منعكسة مركبة، يطلق عليه "الفعل الغريزي" يبدأ بوجود منبه يثير حركة منعكسة، فالمنبه يؤدي إلى استجابة ولذا يعتبر الفعل الغريزي سلسلة حركات آلية عمياء متتالية دون حاجة إلى تدخل ظاهرة الشعور الفردي أو افتراض وجود غرض يومي إليه أو غريزة توجهه.
السلوك – إذن – في نظر هذه المدرسة ينشأ عن موقف خارجي أو مثير عضوي ينبه الإنسان، فيرى هذا التنبيه في عصب حسي مورد ثم ينتقل خلال النخاع الشوكي إلى عصب حركي حيث تحدث الاستجابة بحركة عضلة أو إفراز غدة، وانتقال التنبيه أي التيار العصبي من العصب الحسي إلى العصب الحركي يحدث عن طريق روابط عصبية فسيولوجية بينهما، وما تهتم به هذه المدرة هو تحليل هذا السلوك الحركي للبحث عن الأعصاب التي تنشطه، والحركات الناجمة، ثم محاولة الكشف عن القوانين التي تتحكم في هذه الروابط العصبية الفسيولوجية لتي ترتكز عليها في تفسير السلوك الحركي.
إن المدرسة السلوكية، إذن في تفسيرها للفعل الغريزي تركز على المنبه الذي يثير الفعل المنعكس لا الغرض، باستعمال تعبير الأفعال الغريزية فإنها تقصرها على الأفعال الآلية الفطرية، أي أن وجهة نظرها ميكانيكية في تفسير سلوك الانسان.

شارك الموضوع :

0 comments:

إرسال تعليق

مسلسل العشق الأسود

مسلسل حريم السلطان الجزء الرابع

مسلسل من النظرة الثانية

مسلسل وادي الذئاب الجزء التاسع

مسلسل حكاية حب - حكاية عشق

مسرحية تياترو مصر

 
جميع الحقوق محفوضة لموقع عرب كلود مستضاف لدى بلوجر
تصميم محمد سواح تعريب عين العرب