علم النفس الاجتماعي الحديث
توجد حقيقتان معروفتان لمعظم دارسي علم النفس الاجتماعي تختص بالدور الذي ساهم به أوجست كونت:
أولاً: الحقيقة الأولى توجد في قانونه المشهور "قانون المراحل الثلاثة" فقد لفت الأنظار إلى الظهور التدريجي للعلوم، فميز ثلاثة مراحل للترقي من اللاهوتية إلى الميتافيزيقية حتى المرحلة الوضعية.
ثانياً: صنف كونت العلوم التجريدية الأساسية، ووصل في 1839 إلى النتيجة التالية: إن علم الاجتماع الاسم من ابتكاره يجب أن يعرف كعلم وضع جديد. وقد توصل إلى ها العلم قبل ظهوره بسنوات.
أما ما لا يعرفه البعض هو أن كونت حتى نهاية حياته، كان يصارع مع علم حقيق نهائي ما نطلق عليه اليوم علم النفس، أطلق عليه كونت تسميته نظام السياسة الوضعية. فقد عزم على أن ينشر في عام 1859 مؤلف يختص بهذا العلم الوضعي ولكنه توفى قبل هذا التاريخ، وقد جمع جرانج تلك الأجزاء وشرحها 1923 – 1930 لقد وجد كونت نفسه منساقاً إلى وضع علم حقيقي نهائي، وإذا كان في الإمكان إسناد تأسيس علم النفس الاجتماعي كعلم إلى مؤسس واحد فإنه ينبغي علينا أن نرشح كونت لنيل هذا الشرف.
ولكن ما السبب في أن كونت رفض إطلاق لفظ فيزكولوجي على هذا العلم؟ فقد كان علم النفس في أيامه علماً نظرياً استبطانياً لمدى بعيد وذهنياً لدرجة كبيرة، وبالاختصار كان ميتافيزقي لدرجة متناهية، فكما صك اسم سوسيولوجي حتى يساعده في عريف مجال علم الاجتماع الجديد، فإنه صك كذلك لفظ لامورال ليميز العلم النهائي.
تصنيف العلوم التجريدية
أصر كونت على فصل العلوم التجريدي عن العلوم الحسية فالعلوم الأولى تتناول ظواهر لا تقبل الرد أو النقصان، والأخيرة تتناول ظواهر مركبة، كائنات مادية (ليست قضايا مجردة)، كما تتناول تطبيقات العلوم المجردة. جميع العلوم الأخرى حسية ومنها: الجيولوجيا، وعلم الأرصاد الجوية، وعلم النبات، وعلم الحيوان، والتربية (وهذا مثال لعلم المورال التطبيقي).
لقد وضعت طبيعة هذه العلوم بالتفصيل سلسلتين طويلتين من المؤلفات: الفلسفة الوضعية، والنظام الوضعي، أما السلسلة الثالثة "التأليف الذاتي" التي كان من المفروض أنها ستشمل تقرير كونت الكامل عن ال مورال فإنها لم تنم لقد دلل كونت على أن العلوم التجريدية، تبعث وتنتشر فقط في (مبتدئة بعلم الفلك ثم علم الطبيعة ثم علم الكيمياء)، وأعلى المستويات الثلاثة في لتدرج الهرمي هو العلوم النفسية وقاعدته (علم الاحياء) يعلوها علم الاجتماع وفوقه العلم النهائي الذي يمثل القمة وهو (لامورال) ويتضح المستوى الثالث من سلم كوت للعلوم التجريدية.
لقد كان مستو العلوم النفسية يسبب أكثر المتاعب التي واجهت كونت، فقد أدرك في بادئ الأمر قسمين فقط من الظواهر غير القابلة للرد (أي التحليل إلى ابسط منها) والتي تنحى إلى الحياة الشاعرة وهما:
1. الظواهر البيولوجية.
2. الظواهر الاجتماعية.
ولكنه شه تدريجياً بأنه مدفوعاً للتعرف على قسم ثالث من الظواهر وهي:
3. الظواهر الأخلاقية مورال (السلوكية) وظائف الشخص الانفعالية.
طبيعة لامورال:
سأل كونت نفسه "كيف يمكن للفرد أن يكون سبباً ونتيجة للمجتمع في آن واحد؟ إن الفرد هو نتائج المجتمع، إنه أيضاً عامل مبدع لا يفهم باصطلاحات تعميمات علم الاجتماع الإجمالية، ورقم أن الفرد كائن مادي فهو يحتاج إلى علم تجريدي يدرس طبيعته من وجهة نظر تنبع من وجهات النظر البيولوجية والاجتماعية، فالإنسان شيء أكثر من كائن بيولوجي كما أنه أكثر من أن يكون تجميعياً ثقافياً (الذي يتناوله علم الاجتماع). إنه مثير أخلاقي (سلوكي) انفرد بتنظيم مميز ويستحق علماً خاصاً يفسر طبيعته".
1. "حينما ينظر إلى علم الأحياء البيولوجي على أنه مجرد تجديد دراسة وجود الانسان في ضوء دراسة الوظائف الحيوانية الونباتية".
2. "فإن علم الاجتماع وحده يقدم المعرفة بصفاتها العقلية والأخلاقية التي تصبح هامة فقط في نموها الجمعي".
3. "وبعدها يستطيع العلم الحقيقي النهائي (مورال أن ينظم المعرفة بطبيعتنا الفردية، بفضل تركيب بناء) مناسب من وجهتي النظر البيولوجية والاجتماعية".
لقد استغرق هذا حوالي ثلاثين عاماً بذلها كونت في بحث مستمر، يؤكد كونت ان هذا العلم لامورال يجب أن يتناول "الوحدة الفردية" للانسان، وأخذ يبحث حوله عن نظرية للدوافع يمكن استخدامها في عمله الجديد، فوجد واحدة فقط تروق له، وهي نظرية "ألقوى العقلية" التي وضعها "جال".
وما اعجبه في مذهب "جال" هو التأكيد الديناميكي لسمات الفرد الجوهرية فيتميز بعض الرجال بالشجاعة الجسمية، والبعض الآخر بالطموح، ربط "جال" ملكاته بالوظائف الداخلية للمخ، وما كان يبحث عنه كونت هو "علم الشخصية".
يعتمد هذا العلم "الطبيعة" إذن على كل من علمي الحياة والاجتماع إلا أنه في بعض الأحيان قد يرتكز أكثر على كل من علمي الحياة والاجتماع إلا أنه في بعض الأحيان قد يرتكز أكثر على الأسس البيولوجية مما يؤدي إلى نتائج واكتشافات يمكن تصنيفها حالياً تحت علم النفس افسيولوجي أو التكويني، وقد يتناول في أحيان أخرى، وضع الفرد في الإطار الاجتماعي والثقافي فيكون علم النفس الاجتماعي وفي هذا الاتجاه من الاستدلال نجد ثلاثة قضايا هامة:
1. علم الفردية ممكن وجوده وضروري.
2. بينما يسمح هذا العلم بوجود اتجاه شعاري للشخصيات انه علم الطبيعة الإنسانية بوجه عام، ولكنه علم ينبغي أن يكيف نفسه لظاهرة الفردية.
3. يمكن النظر إلى هذا العلم – الطبيعة – كما ينظر كثيراً إلى لعم النفس الحديث، إما من وجهة النظر البيولوجية أو الاجتماعية.
ولقد أكد فونت وتارد هذا التقسيم قائلين : "إن لعلم النفس برمته"، إما أن يكون فسيولوجيا أو اجتماعيا.
علماً أن اكتشاف هذا العلم لم يضعف حماس كونت نحو اكتشافه السابق لعلم الاجتماع، الذي سيبقي العلم "الكائن العظيم".
0 comments:
إرسال تعليق